أيها المارون بين الكلمات العابرة
احملوا أسماءكم وانصرفوا
واسحبوا ساعاتكم من وقتنا ،و انصرفوا
وخذوا ما شئتم من زرقة البحر و رمل الذاكرة
و خذوا ما شئتم من صور، كي تعرفوا
انكم لن تعرفوا
كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء ..
.
.
حاولت إستعارة بعض الكلمات حتى أقوم بكتابة الموت في غزة كما يجب .. أو بالإصح حتى أكتب خيانة غزة كما يجب أن تُكتب ، وإكتشفت أن الخيانة لا تحمل صعوبة كبيرة في كتابتها ، إذ أنها ليست سوى حفنة كلمات عاجزة واهنة سأقوم بسكبها بحماقة على الورق كما يفعل غيري هذه الأيام ، حيث أننا هذه الأيام نستقبل الأمطار الموسمية ، هناك في غزة عكس ذلك حيث أنهم يستقبلون الموت استقبالنا موسمياً ..
لديهم الموت يطل من كل مكان ، من الآبار ومن الأنابيب ومن النوافذ التي تبكي ، من المنائر المحطّمة ، من الكنائس الحزينة ، من الطرقات التي تسبح بالدم ، من الحوائط النابضة بالقهر ، من خزائن الملابس الفارغة والمحترقة ، يطل عليهم الموت حتى من لعب الأطفال المتناثرة
لديهم الموت ليس فجائياً كما نحن ..
بمجر دأن تكون في غزة .. فالموت سيحاصرك من كل مكان ..
الآن ليس ضرورياً أن تبرز هويتك الوطنية عندما تخرج من غزه ، فقط هم بحاجة إلى قطرة
دم ساخنة وبريئة حتى تعرف لوهله أنه من غزه .. !!
.
.
.
.
.
عندما تكون في غزة فأن عمرك ليس بالأيام و الشهور والسنون .. !!
هناك في غزة الكل يحسب عمره بالدقيقة والثانية ..
يا له من عمر مثير .. !!
عندما تقضيه في رحلة حمراء بين طلقات الرصاص ودوي المدافع ودخان لا ينقطع .. !!
ويالها من طفولة ممتلئة بالأشلاء .. !!
.
.
.
.
.
.
تخيلوا معي هذا الدرس الصباحي لأطفال غزة في المدرسة :
أولاً عليكم قبل الدخول إلى الفصل التعرف على أشلاء أصدقائكم المتناثرة في
طريق قدومكم إلى المدرسة إثر الغارات الصباحية قبل دقائق . .!!
أحد الأطفال يصرخ ..هذا الأخ الأكبر لصديقي على بعد عشرين رصاصة ..
وهذا يشير إلى رأس رجل كان يشتري منه الحلوى وقد اخترقته رصاصتين !!
وهذا الطفل يشير إلى تلك اليد التي لا يبرز منها سوى سبابة التشهد !!
ويستبشر أحد الأطفال بقدوم معلمته ..
ولكنها تأتي باكية .. لأنها أفتقدت الكثير من أنوثتها الطريّه بسبب مشاجرة مع أحد الجنود !!
/
\
/
هكذا باختصار تلك الطفولة في غزة ( قافلة من اللعنات لا تنتهي ) ..
.
.
نمت في الليلة الثانية من الهجوم على غزة ..
ترآئى لي .. أحد الأبطال وهو واقف على رصيف يشاهد الدماء التي تنزف ..
دماء لها لونان غريبان تارة تأخذ اللون الأحمر وتارة تأخذ اللون الأسود !!
سألته : أيها الجندي الباسل
أجابني : ماذا تريد ؟..
لماذا تلك الدماء تأخذ اللون الأحمر ثم تأخذ اللون الأسود ؟
قال لي : اللون الأحمر هو الذي يقبع في عروقنا
واللون الأسود هو أسود فاجر في أجساد الخونة ..
قطع حديثنا تلك الدمءا التي بدأت في السيل بغزارة !!
يبدو أنه لا مفر من الموت ..
هو أحتضن الموت .... أما أنا فقد هربت !!
.
هربت وكنت أتمنى أن تهطل الأمطار من الأعالي ..
ولكن يبدو أن الهطول في غزة يختلف أيضاً .. حيث أن الأمطار تصعد من أسفل إلى الأعلى
على هيئات كثيرة :
.. طرقات مهترئة .. حجارة غاضبة .. وصخب لا ينتهي أبداً ..
حتى فصل الربيع في غزة على شكل مختلف ..
حيث يأتي فقط ليشرب الكثير من الحياة الراكدة هناك .. !!
.
.
النوم في غزة كثير .. أنهم لا ينامون .. وإنما يتظاهرون بالنوم ..
..
لا شيء يضيء في غزة ليلاً ..
سوى أنّات الثكالى ، وبكاء اليتامى ، وطقطقة مفاصل الشيوخ البائسين ..
الليالي في غزة لا تلهم الشعراء لإرتكاب حماقة الشعر
إذ ليس هناك من حبر يكفي ،،
لأن الوثائق السرية الخائنة ألتهمت الكثير من الحبر المتدفق هناك ..
وحيث أنها لاتكتب إلا في الليالي المظلمة .. !
لأن ليلها يحرض على الخيانة .. !!
.
.
.
.
أيها المارون بين الكلمات العابرة
احملوا أسماءكم وانصرفوا
واسحبوا ساعاتكم من وقتنا ،و انصرفوا
وخذوا ما شئتم من زرقة البحر و رمل الذاكرة
و خذوا ما شئتم من صور، كي تعرفوا
انكم لن تعرفوا
كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء
أيها المارون بين الكلمات العابرة
منكم السيف - ومنا دمنامنكم الفولاذ والنار- ومنا لحمنا
منكم دبابة أخرى- ومنا حجر
منكم قنبلة الغاز - ومنا المطر
وعلينا ما عليكم من سماء وهواء
فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا
وادخلوا حفل عشاء راقص .. و انصرفوا
وعلينا ، نحن ، أن نحرس ورد الشهداء
و علينا ، نحن، أن نحيا كما نحن نشاء
أيها المارون بين الكلمات العابرة
كالغبار المر مروا أينما شئتم ولكن
لا تمروا بيننا كالحشرات الطائرة
خلنا في أرضنا ما نعمل
و لنا قمح نربيه و نسقيه ندى أجسادنا
و لنا ما ليس يرضيكم هنا
فخذوا الماضي ، إذا شئتم إلى سوق التحف
و أعيدوا الهيكل العظمي للهدهد ، إن شئتم
على صحن خزف
لناما ليس يرضيكم ،لنا المستقبل ولنا في أرضنا ما نعمل
أيها المارون بين الكلمات العابرة
كدسوا أوهامكم في حفرة مهجورة ، وانصرفوا
وأعيدوا عقرب الوقت إلى شرعية العجل المقدس
أو إلى توقيت موسيقى مسدس
فلنا ما ليس يرضيكم هنا ، فانصرفوا
ولنا ما ليس فيكم : وطن ينزف و شعبا ينزف
وطنا يصلح للنسيان أو للذاكرة
أيها المارون بين الكلمات العابرة
آن أن تنصرفوا
وتقيموا أينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا
آن أن تنصرفوا
ولتموتوا أينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا
فنا في أرضنا ما نعمل
ولنا الماضي هنا
ولنا صوت الحياة الأول
ولنا الحاضر ، والحاضر ، والمستقبل
ولنا الدنيا هنا .. والآخرة ْ
فاخرجوا من أرضنا
من برنا .. من بحرنا
من قمحنا .. من ملحنا .. من جرحنا
من كل شيء ، واخرجوا من ذكريات الذاكرة ْ
أيها المارون بين الكلمات العابرة ْ!
.
الأخوة المؤمنون في غزة ..السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
]]الطريق إلى الله لا يحتاج إلى تذاكر أو وساطات مطلقاً ..[/]
فربي هناك .. في كل زوايا الضمير ..[/]
]والألم سيُعلق على أسوارنا طويلاً ..[/]
]وسيبقى الوجع مستمراً حتى آخر حروف نكتبها ذات انكسار ..[/]
]لقد وخزتي ضمائرنا يا غزة !![/
]حاولت الكتابة وحاولت تصعيد ما بداخلي لا أكثر ..[/
]وهي أوجاع تخثرت بداخلي وليتني أمتلك القدرة لأخرجها أكثر من هذا ..[/]
]ولكني أشعر أني هناك ما يسحقني ويبعثرني .. وأحاول إيجاد نفسي الآن ..[/]
]لكن يبدو أنني فشلت .. فالله المشتكى ..[/size]
]
]
[]
]سأردد معلقة درويش بصمت ..[/[/size]