كثيرون هم اللذين يفهمون مصطلح " التمرد "
على أنه مجموعة من الأفكار الشريرة الدخيلة
التي تعمل على شيوع الفساد و الانحلال الأخلاقي,
و الانسلاخ من كل ماهو محمود و سليم,
و ذوبان للهوية و تبعية للآخرين ...الخ
فيسقطون هذا المصطلح على كل الحالات
التي يطرأ فيها تحول و تبدل في شخصية إنسان ما,
بغض النظر عن هذا التحول إذا ما كان إيجابياً أم سلبياً ! ...
&&
فقد يتمرد أحدنا على آراء خاطئة
أو أفكار و عادات بالية,
تم مزجها و من ثم قولبتها بقالب ديني
انتهاءاً باضفاء الشرعية الإلهية عليها
و صبغها بصبغة دينية
تجعل منها فكرة مقدسة
لا يحق لمخلوق مخالفتها
أو الاعتراض عليها,
فكيف بمن يفكر في التمرد عليها !؟
&&
قد يتمرد الشاب على عادات قومه
و أفعالهم و أخطائهم التي ورثوها من أسلافهم
حتى أمست عرفاً لا يقل قداسة عن أي نص ديني سماوي !
&&
قد تتمرد الفتاة على سيطرة اخوتها الذكور
وتقيدهم لحريتها و تحكمهم المطلق بقرارها,
فقد يمنعوها من اتمام دراستها,
أو من العمل خارج المنزل,
أو قد يبخسونها حقها في ميراث أبيها ...
&&
قد يتمرد عاشق على مجتمعه
اللذي وضع له حواجز و عقبات شتى,
لتحول بينه و بين تحقق حلمه في الزواج ممن أحب ...
&&
قد تتمرد عاشقة على أهلها و أقربائها
إذا ما منعوها من الزواج بمن تحب,
أو إن فرضوا عليها الزواج برجل لا تريده ...
&&
قد يتمرد الولد على بطش والده و جبروته و قسوته,
و ظلمه له و لأمه و لباقي إخوته ...
&&
حتى العجوز .. نعم العجوز التي قد تمر هي الأخرى
بظروف صعبة تجعلها تتمرد على أولادها
إن أقدمواعلى سلبها لحقوقها أو اهدار كرامتها ...
..}}
فالتمرد مصطلح غاية في الرقي و الجمال,
و هو مطلب و حاجة بحد ذاته,
إذا لا يمكن الوصول إلى النضوج الفكري
بدون ممارسته على أرض الواقع ...
لكن للأسف هناك لبس و لغط عند الكثير من الناس
حول حقيقة هذا المصطلح,
فهم لا يميزون بين المتمرد الحقيقي و المتمرد المزيف ...
فشتان بين الاثنان,
فلا و ربك لايستويان حتى تشيب مفارق الغربان ...
فالأول يصعد سلم النضوج الفكري بخطوات واثقة,
درجة تلو أخرى وصولاً إلى التغيير و الانفتاح و النضوج التام,
وحتماً سينعكس ذلك على شخصيته و طريقة تفكيره
و تعامله مع أمور الحياة المختلقة التي ستواجهه ...
و المجتمع هو المستفيد الأول من هذا المتمرد,
لأن هذا الأخير هو النواة السحرية
و السر الحقيقي وراء نهوض
هذا الأول ارتقاءه و نموه في مختلف الجوانب ...
أما هذا الأخير ( المتمرد المزيف )
فينزل سلم الإنسانية درجة تلو درجة
مكباً على وجهه وصولاً إلى أسفل الدرك,
مطلقاً العنان لأفكاره الشيطانية و شهواته المريضة,
جامعاً كل نقيصة و صفة مقيتة ,
متبرءاً من كل ما هو سامٍ و حميد,
مضيعاً ًنفسه و من حوله ( أهله, زوجته, أولاده, أصدقاءه ..الخ ),
و قد يضيع مجتمعه معه إذا استشرى وباؤه
و استطار شره و عم ليطال السليمين و يتسبب لهم بالعدوى,
فلا تسل عن حال المجتمع بعد ذلك ...
فهل من وقفة جادة مع الذات لفهم حقيقة التمرد,
و العمل على تغيير تلك الصورة القاتمة التي رسمت عنه,
و نسف تلك الأساطير الواهية التي حيكت عنه ؟