التاريخ هو سلسلة طويلة من الأيام والأشهر والسنين تصل إلى سيدنا آدم عليه السلام.. سلسلة التاريخ مليئة بالألوان والأحداث، منها ما يملأ الدنيا ضياء، ومنها ما هو دموي بشع مخيف مرعب، وفي التاريخ محطات ومفاصل ينحني فيها عن اتجاهه ومساره.
ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي لا يُعرف فيه على وجه الأرض عدل عالمي، إنما كانت دول تَذبحُ دول، وجلادون يصنعون بالعبيد ما يحلو لهم، وكان الأب يدفن ابنته وهي حية تتنفس وتلعب في شعر لحيته، كان الظلم هو اللون السائد يوم ولد الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام.
إنه أعظم مولد على سطح الأرض، فيه تهاوت أركان الظلم من عليائها، وتساوت حقوق الإنسان مع أخيه الإنسان، لا فرق لعربي على عجمي إلا بالتقوى، والناس سواسية وحقاً سواسية، وانتشر العدل في نفوس الناس قبل أن تُدق به أعناق الظالمين في المحاكم.
ولد الرسول الأعظم وأصبح الإنسان يستمتع بحواسه الخمس، فلا يرى إلا نوراً ولا يسمع إلا عدلاً، ولا يشم أو يتذوق إلا أطيب حياة، ولا يلمس إلا حناناً ومحبة.
أما اليوم فلا نسمع إلا دماراً وخوفاً ورعباً وظلماً قاتلاً، ليس فقط على الصعيد الفردي، إنما يشمل ذلك القرى والمدن بل شعوباً كاملة تسحق وتشتت في وضح النهار، وعلى جميع الفضائيات، دون حياء أو خشية.
ذكرى المولد النبوي الشريف مناسبة للمراجعة، وتقييم النتائج، ووضع الخطط والمشاريع التي ترفع راية الأمة، أما أن يكون مناسبة وخيمة للاختلاط والاحتفالات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
سلام عليك يا رسول الله، ضحيت وصبرت أنت وأصحابك الأطهار، وحَمَل الرايةَ من بعدك رجال أشداء كذلك، رحماء بينهم، نشروا العدل في بقاع الأرض كلها، حتى أن كثيراً من الشعوب نادتهم ليحكموا بينهم بدين الله وسنة نبيه.
أما الآن فإن الناس قد أصابهم الضعف والهزيمة، لا يعتزون بدينهم، ولا يدافعون حتى عن أنفسهم، إنهم الآن ضعفاء، يفلسفون الأمور فلسفة المهزوم الضعيف، وكَسوا هذا الشعور بالمظاهر الخادعة.
إن كل مصادر القوة بين أيادينا، فالقرآن هو القرآن، والسنة هي السنة، ونحن بحاجة إلى الصدق مع أنفسنا، والصبر على الألم حتى نحقق العزة لهذه الأمة.
ليكن مولد نبينا صلى الله عليه وسلم محطة تاريخية مضيئة تدلنا على الطريق الذي أضعناه.