رسالة إلى الجنة!!!!
هل حقا ستصلك كلماتي .... آهاتي .... صرخاتي ؟!
وهل ثمة مسارات واضحة لأرسل رسالتي الغريبة عبرها إليك؟
ربما لا اعي - حتى الآن – سبل التواصل مع ذلك العالم الآخر والمطوق بملايين علامات الاستفهام الأزلية .... ولكن لا بأس سأنزف كلماتي وأترك لك أن تتدبر أمر الوصول إليها !
أتذكر يوم تمتمت بمرارة وآثار العلاج الكبميائى اللعين تنثر الرمال في فمك :"دائما يبدو الراحلون كبارا ... تذوي التفاصيل في رمال الذاكرة ، تترعرع – بعد الموت – أكاسيا الكبرياء وتكسو المشهد الحزين زنابق البطولة ، لتنحني الهامات إكبارا ! "
قلت يومها واتت تحاول أن تقاوم دمعة مشاغبة تحجرت في مقلة عينك اليسرى : " لا أريد أن تحييني مناسبة الموت في وعي المحيطين بنعشي .... لا أفكر كثيرا بموتي ... يكفيني تلك العقود التي شهدت خلالها ولادة الانطلاقات الحقيقية للأفكار العظيمة .... لست راغبا بأن أشهد زمن الوهم والسقوط والهزيمة.
آآآه أيها الحاضر الكبير ... افتقدتك " الآن " و " هنا " ... أضأت أكثر من خمسين شمعة وسط غابات الظلام وأنرت لنا طريق التقدم .... بنفسك وقعت شهادة وفاة لوعي التخلف والنكوص وأعلنت زمن الإنسان المستنير في أسرة كونية عنوانها العدالة والحب والسلام ....
أذكرك " الآن وهنا " تجوب أزقة المخيم " وزواريبه " الخفية بين بيوت اللاجئين المكدسة في بقعة لجوء لعينة ... دوما كانت حقائبك معدة للسفر / للعودة ... والمفتاح القديم مخبأ في قبو تحت قصر الذاكرة الكبير ... تمتشق سلاحك في الخفاء – كما تحدث الرواة – ولا تشهره إلا لتطلق وتصيب !
آآآه أيها اليافع الوديع .... لم يخالك فقراء المخيم إلا حالما قارئا لكتب محظورة .... تتكئ على أخمص كتاب وتتأمل أحوال العالم من حولك ثم تطلق كلمة أو رصاصة ، وربما تلقى قنبلة وسط غيلان الوحشية أو آلات القتل الدموية ...
منصور .... وإن قصرت مسافات المواجهة ولم يعد يفصلك عن رسول الموت سوى أسلاك وقضبان بغيضة !
منصور .... وإن تقلصت المعدة وهزل الجسد ولم يعد يتسع لحجم الحلم والكبرياء ، وتربص الموت متحفزا على حافة سريرك الحديدي الصدئ !
لم يتكمنوا منك في معارك المواجهة المباشرة الطويلة .... وعدت للمخيم ثانية بعد عقدين من الغياب القصري استقبلتك وجوه لم ترها من قبل لكنك تعرفها جيدا .... كم اسعدك تجدد الأجيال كتوالد الموج الذي يصنع البحور والسواحل !
كنت موجه كبرى ، تتهادى وتتهادى ثم تندفع نحو الساحل لتنقذ غريقا أنهكته ملاثم الضياع !
عدت تحمل مشاعر اللحظة الأولى وحماس الانطلاقة الأولى .... سألتك يومها عن عنوانك الجديد فأجبت بسخرية الواثق : " عنواني كما هو دائما ، مقلاة الفعل الثوري " ومرة ثانية وثالثة ورابعة أبعدك الغياب القسري ....
كان همك أن تقتحم قواميس اللغات العالمية وتفرض عليها مفراداتك الجديدة
كنت تحمل الانتفاضة على ظهرك المنهك من ( أبراش النقب) وتقتحم السنوات مسلحا ببندقية وحجر وفكرة !
آآه كم تبكيني " الآن وهنا " ابتسامة السخرية المحفورة على شفتيك يوم زحفت وحوش الهزيمة وأعلن عن بدء تاريخ غريب ... تجولت وسط ركام النفوس التي ربضت الهزيمة في دمائها ... تحتضن طفلا مذعورا ... تمد على رأسه بحنو الأب الغائب العائد .... ويضحك الطفل مرتبكا فتعاودك – فورا – ابتسامة الأمل الخجولة !
أتذكر يوم خذلوك ذوو القربى ؟.... كم هو قاسي ظلم ذوي القربى .... لا أرغب بتذكيرك بتلك اللحظات البائسة ....
أردت أن تصرخ .... أن تحتج .... لكنك صمت وتمتمت بهدوء القديسين : " ما دمت قادرا على التألم بصمت ، فلن اصرخ !!! "
دائما تألمت بصمت واختنقت الآهات في أعماق جنباتك المشتعلة
ماذا أقول لك " الآن وهنا ؟" ؟! لعلكم هناك تشاهدون كل ما يحدث في عالمنا ... وربما وصلكم (كرمنا) "
فازدحمت شوارع الفردوس وساحاتها برياحنا الصفراء وبأمطار عالمنا السوداء ....
" الآن وهنا " .... كل شئ تغير .... أأقول أن خيارك بالغياب كان صائبا .... كم سيكون مؤلما عليك لو قدر لك وشاهدت ما نحن فيه ....
أعرفت أن حلمك الكبير بوطن صغير قد تلاشى وصار لنا الآن – بفضل الله – مملكتين عظيمتين تحكمها سنة البسوس وتكرران – بغباء_ تجربة داحس والغبراء التاريخية ؟!
أاقول لك أن شركاء زنزانتك .... شركاء القهر والجوع قد تخلوا – طواعية – عن حلمك القديم وامتطوا صهوة العصر الجديد بعد أن تخلوا عن قراراتكم القديمة واعلنوا انتماءهم لتراهات العهد الجديد ونهاية( التاريخ) ؟!
أأفشي سرا إن صرحت لك بأن غزة لم تعد غزة التي عرفت بناسها وبيوتها وشوارعها وحدودها وسماءها وبحرها؟!
أتذكر يوم قلت بأنهم كمن يلقون الحجارة في عيونك !
لم يعودوا يكتفون بإلقاء الحجارة ... أقل ما يقبل في غزة هو الموت ... وأكثره الاستمتاع بالتمثيل بالجثث وأرخص مكون في هذا الوطن صار الانسان !
الانسان الذي أدركت قيمته منذ مولدك ، وحفرت بأظافرك في الصخر لتعلي من شأنه !
لعلك الآن تتكئ على مرفقيك وتتأمل بحسرة ما يجري " الآن و هنا "....
تتأملنا ونحن نتفاخر بإحياء ذكراك السنوية ....نتشدق بالمفردات ونرقص عراة على حبال التهدلات البلاغية وربما ننفعل أكثر فنصفق بحرارة أو نبكي أمام طفل صغير يصرخ باسمك على خشبة مسرح بائس!.
ترقبنا ونحن نخفي عجزنا خلف صرخاتنا الكثيفة فتواصل صمتك وتحتمي بيقينك !
آآه أيها الراحل الكبير .... بقتلني السؤال الكبير وتتوالد منه مئات الاسئلة :
هل نكون جديرين باستجقاق الحياة الكبير ؟؟!
وهل نبقى أوفياء للأمانة الثقيلة التي تركتها لنا ؟؟!
أتركك الآن والأمل يغمرني أن يطرق ساعي البريد باب بيتي ليحمل لي رسالة تطمأنني عن أحوالكم في الجنة !!!
المرسل
طلال أبو شاويش
العنوان: أرض احاول ان اكون جديرا بالانتماء اليها
التاريخ : زمن الوهم
هل حقا ستصلك كلماتي .... آهاتي .... صرخاتي ؟!
وهل ثمة مسارات واضحة لأرسل رسالتي الغريبة عبرها إليك؟
ربما لا اعي - حتى الآن – سبل التواصل مع ذلك العالم الآخر والمطوق بملايين علامات الاستفهام الأزلية .... ولكن لا بأس سأنزف كلماتي وأترك لك أن تتدبر أمر الوصول إليها !
أتذكر يوم تمتمت بمرارة وآثار العلاج الكبميائى اللعين تنثر الرمال في فمك :"دائما يبدو الراحلون كبارا ... تذوي التفاصيل في رمال الذاكرة ، تترعرع – بعد الموت – أكاسيا الكبرياء وتكسو المشهد الحزين زنابق البطولة ، لتنحني الهامات إكبارا ! "
قلت يومها واتت تحاول أن تقاوم دمعة مشاغبة تحجرت في مقلة عينك اليسرى : " لا أريد أن تحييني مناسبة الموت في وعي المحيطين بنعشي .... لا أفكر كثيرا بموتي ... يكفيني تلك العقود التي شهدت خلالها ولادة الانطلاقات الحقيقية للأفكار العظيمة .... لست راغبا بأن أشهد زمن الوهم والسقوط والهزيمة.
آآآه أيها الحاضر الكبير ... افتقدتك " الآن " و " هنا " ... أضأت أكثر من خمسين شمعة وسط غابات الظلام وأنرت لنا طريق التقدم .... بنفسك وقعت شهادة وفاة لوعي التخلف والنكوص وأعلنت زمن الإنسان المستنير في أسرة كونية عنوانها العدالة والحب والسلام ....
أذكرك " الآن وهنا " تجوب أزقة المخيم " وزواريبه " الخفية بين بيوت اللاجئين المكدسة في بقعة لجوء لعينة ... دوما كانت حقائبك معدة للسفر / للعودة ... والمفتاح القديم مخبأ في قبو تحت قصر الذاكرة الكبير ... تمتشق سلاحك في الخفاء – كما تحدث الرواة – ولا تشهره إلا لتطلق وتصيب !
آآآه أيها اليافع الوديع .... لم يخالك فقراء المخيم إلا حالما قارئا لكتب محظورة .... تتكئ على أخمص كتاب وتتأمل أحوال العالم من حولك ثم تطلق كلمة أو رصاصة ، وربما تلقى قنبلة وسط غيلان الوحشية أو آلات القتل الدموية ...
منصور .... وإن قصرت مسافات المواجهة ولم يعد يفصلك عن رسول الموت سوى أسلاك وقضبان بغيضة !
منصور .... وإن تقلصت المعدة وهزل الجسد ولم يعد يتسع لحجم الحلم والكبرياء ، وتربص الموت متحفزا على حافة سريرك الحديدي الصدئ !
لم يتكمنوا منك في معارك المواجهة المباشرة الطويلة .... وعدت للمخيم ثانية بعد عقدين من الغياب القصري استقبلتك وجوه لم ترها من قبل لكنك تعرفها جيدا .... كم اسعدك تجدد الأجيال كتوالد الموج الذي يصنع البحور والسواحل !
كنت موجه كبرى ، تتهادى وتتهادى ثم تندفع نحو الساحل لتنقذ غريقا أنهكته ملاثم الضياع !
عدت تحمل مشاعر اللحظة الأولى وحماس الانطلاقة الأولى .... سألتك يومها عن عنوانك الجديد فأجبت بسخرية الواثق : " عنواني كما هو دائما ، مقلاة الفعل الثوري " ومرة ثانية وثالثة ورابعة أبعدك الغياب القسري ....
كان همك أن تقتحم قواميس اللغات العالمية وتفرض عليها مفراداتك الجديدة
كنت تحمل الانتفاضة على ظهرك المنهك من ( أبراش النقب) وتقتحم السنوات مسلحا ببندقية وحجر وفكرة !
آآه كم تبكيني " الآن وهنا " ابتسامة السخرية المحفورة على شفتيك يوم زحفت وحوش الهزيمة وأعلن عن بدء تاريخ غريب ... تجولت وسط ركام النفوس التي ربضت الهزيمة في دمائها ... تحتضن طفلا مذعورا ... تمد على رأسه بحنو الأب الغائب العائد .... ويضحك الطفل مرتبكا فتعاودك – فورا – ابتسامة الأمل الخجولة !
أتذكر يوم خذلوك ذوو القربى ؟.... كم هو قاسي ظلم ذوي القربى .... لا أرغب بتذكيرك بتلك اللحظات البائسة ....
أردت أن تصرخ .... أن تحتج .... لكنك صمت وتمتمت بهدوء القديسين : " ما دمت قادرا على التألم بصمت ، فلن اصرخ !!! "
دائما تألمت بصمت واختنقت الآهات في أعماق جنباتك المشتعلة
ماذا أقول لك " الآن وهنا ؟" ؟! لعلكم هناك تشاهدون كل ما يحدث في عالمنا ... وربما وصلكم (كرمنا) "
فازدحمت شوارع الفردوس وساحاتها برياحنا الصفراء وبأمطار عالمنا السوداء ....
" الآن وهنا " .... كل شئ تغير .... أأقول أن خيارك بالغياب كان صائبا .... كم سيكون مؤلما عليك لو قدر لك وشاهدت ما نحن فيه ....
أعرفت أن حلمك الكبير بوطن صغير قد تلاشى وصار لنا الآن – بفضل الله – مملكتين عظيمتين تحكمها سنة البسوس وتكرران – بغباء_ تجربة داحس والغبراء التاريخية ؟!
أاقول لك أن شركاء زنزانتك .... شركاء القهر والجوع قد تخلوا – طواعية – عن حلمك القديم وامتطوا صهوة العصر الجديد بعد أن تخلوا عن قراراتكم القديمة واعلنوا انتماءهم لتراهات العهد الجديد ونهاية( التاريخ) ؟!
أأفشي سرا إن صرحت لك بأن غزة لم تعد غزة التي عرفت بناسها وبيوتها وشوارعها وحدودها وسماءها وبحرها؟!
أتذكر يوم قلت بأنهم كمن يلقون الحجارة في عيونك !
لم يعودوا يكتفون بإلقاء الحجارة ... أقل ما يقبل في غزة هو الموت ... وأكثره الاستمتاع بالتمثيل بالجثث وأرخص مكون في هذا الوطن صار الانسان !
الانسان الذي أدركت قيمته منذ مولدك ، وحفرت بأظافرك في الصخر لتعلي من شأنه !
لعلك الآن تتكئ على مرفقيك وتتأمل بحسرة ما يجري " الآن و هنا "....
تتأملنا ونحن نتفاخر بإحياء ذكراك السنوية ....نتشدق بالمفردات ونرقص عراة على حبال التهدلات البلاغية وربما ننفعل أكثر فنصفق بحرارة أو نبكي أمام طفل صغير يصرخ باسمك على خشبة مسرح بائس!.
ترقبنا ونحن نخفي عجزنا خلف صرخاتنا الكثيفة فتواصل صمتك وتحتمي بيقينك !
آآه أيها الراحل الكبير .... بقتلني السؤال الكبير وتتوالد منه مئات الاسئلة :
هل نكون جديرين باستجقاق الحياة الكبير ؟؟!
وهل نبقى أوفياء للأمانة الثقيلة التي تركتها لنا ؟؟!
أتركك الآن والأمل يغمرني أن يطرق ساعي البريد باب بيتي ليحمل لي رسالة تطمأنني عن أحوالكم في الجنة !!!
المرسل
طلال أبو شاويش
العنوان: أرض احاول ان اكون جديرا بالانتماء اليها
التاريخ : زمن الوهم